تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأخبار

مقالة: القواعد الجديدة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال: نحو عدالة متخصصة ومرنة بقلم الدكتور/ زين العابدين شرار

يونيو 04 2025

أصدر سعادة وزير التجارة والصناعة القرار رقم (39) لسنة 2025 بشأن القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. ويُعد هذا القرار خطوة مهمة نحو تعزيز البيئة القضائية المتخصصة داخل مركز قطر للمال، بما يواكب المعايير الدولية ويُلبي متطلبات العدالة التجارية المعاصرة. وقد جاء القرار ليُعيد تنظيم الإجراءات القضائية أمام المحكمة، مُلغياً القرار السابق رقم (1) لسنة 2011 بشأن القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية للمركز، وذلك في إطار تحديث شامل لمنظومة التقاضي في مركز قطر للمال.
وقد نُشر القرار في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 مايو 2025، ودخل حيّز النفاذ في اليوم التالي لنشره، أي اعتباراً من 1 يونيو 2025. ويتضمن القرار الجديد ثمانٍ وثلاثين مادة تُغطي مختلف مراحل إجراءات الدعوى، ابتداءً من قيدها وحتى صدور الحُكم وتنفيذه.
وقد أكدت المادة (3) من القواعد الجديدة ما سبق أن نص عليه القرار السابق رقم (1) لسنة 2011 (الملغى)، من أن المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال هي محكمة قطرية ذات طبيعة دولية، وتسمح للأطراف حرية اختيار اللغة الإجرائية، سواء باللغة الإنجليزية بما يتناسب مع طبيعة الشركات الدولية المؤسسة في المركز والمناطق الحرة، أو باللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة وفقاً لأحكام الدستور القطري. ويُعد ذلك تأكيداً على مرونة النظام القضائي بالمركز، بما يراعي تنوّع الأطراف واحتياجاتهم العملية.

الإيداع الإلكتروني للمستندات

ومن أبرز مظاهر التحديث الإجرائي ما ورد في المادة (8) من القرار، والتي أجازت للأطراف إيداع المستندات أو الإخطارات إلكترونياً، سواء عبر البريد الإلكتروني أو من خلال النظام الإلكتروني للمحكمة، دون اشتراط الإيداع الورقي، ما لم يقرِّر خلاف ذلك قلم المحكمة أو القاضي المختص. ويُعدّ هذا التطوير نقلة نوعية تُسهم في تسريع الإجراءات وتوفير قدر كبير من المرونة، لا سيّما في القضايا التي تشمل أطرافاً دوليين أو مكاتب تمثيل قانونية خارج الدولة، حيث يمكن تقديم المذكرات والمرفقات إلكترونياً دون الحاجة إلى الحضور الفعلي أو التسليم الورقي، مما يقلل من الأعباء الإدارية والتكاليف المالية على الأطراف.

الإعلان عبر العنوان الوطني

ومن أهم التعديلات أن القواعد الجديدة اعتمدت وسيلة الإعلان عبر "العنوان الوطني"، وهي وسيلة مستحدثة ضمن هذه القواعد، وذلك استناداً إلى القانون رقم (24) لسنة 2017 بشأن العنوان الوطني، والذي اعتبر الإعلانات القضائية والإخطارات الرسمية التي تتم على العنوان الوطني صحيحة ومنتجة لكافة آثارها القانونية. وبناءً عليه، أصبح بإمكان الأطراف، وفقاً للقواعد الجديدة، إجراء الإعلان عبر العنوان الوطني، إلى جانب وسائل الإعلان التقليدية، مثل الإعلان الشخصي، أو عبر البريد، أو البريد الإلكتروني، أو الفاكس، بل وحتى عبر الوسائل التي يتفق عليها الأطراف. ويُسهم هذا التنوع في وسائل الإعلان في تحقيق قدر أكبر من اليقين الإجرائي، ويُقلل من احتمالات الطعن في صحة الإعلان متى تم وفق إحدى الوسائل المعتمدة.

الجلسات عبر وسائل الاتصال الحديثة

ومن أهم التعديلات أيضاً، ما نصّت عليه المادة (29) من القرار الجديد بشأن إمكانية عقد جلسات المحكمة باستخدام وسائل الاتصال الحديثة، وهو تطور إجرائي مهم يواكب التحديات العملية، كما حدث إبان جائحة كوفيد أو عند تعذّر حضور أحد الأطراف أو كليهما شخصياً إلى المحكمة. وتوفّر الإجراءات الجديدة إمكانية عقد الجلسات عن بُعد عبر تقنيات الاتصال المرئي أو المسموع، مما يمنح مرونة أكبر في إدارة الجلسات ويسهم في تسريع عملية التقاضي، وفقاً لما تراه المحكمة مناسباً لطبيعة النزاع وظروفه. وتُدار هذه الجلسات من مقر المحكمة داخل الدولة، مما يُمكّن المحكمة من الفصل في النزاعات بفعالية ومرونة، ودون المساس بمبدأي المواجهة والعلنية.
الحُكم الغيابي وفق المادة (22): تنظيم دقيق ومتوازن
كذلك، من أهم التعديلات ما جاءت به المادة (22)، حيث نظّمت آلية إصدار الحكم الغيابي بشكل مفصّل، إذ أجازت للمدعي، في حال تخلّف المدعى عليه عن تقديم دفاعه، أن يتقدّم بطلب إلى قلم المحكمة للحصول على حكم غيابي، سواء كانت المطالبة بمبلغ محدد أو غير محدد.
ويتمتع الحكم الغيابي بذات حجية الأحكام العادية، ويمكن تنفيذه وفق قواعد التنفيذ. كما أجازت المادة للمدعى عليه أن يتقدّم بطلب لإلغاء أو تعديل الحكم الغيابي إذا أثبت وجود أوجه دفاع جدّية أو أسباب وجيهة أخرى، مع اشتراط أن يتم تقديم الطلب على وجه السرعة، بما يعزز مبدأ الموازنة بين العدالة الناجزة وضمانات التقاضي.

نظام استئناف مرن وآلية فحص أولي

ومن التعديلات الجوهرية التي جاءت في القرار الجديد، ما نصّت عليه المادة (36)، والتي استحدثت آلية فحص الطعون الاستئنافية قبل قبولها، حيث تُشكَّل دائرة من ثلاثة قضاة لفحص مدى جدية الطعن قبل عرضه على الدائرة الاستئنافية، ويُعد قرار الرفض نهائياً وغير قابل للطعن. وتُسهم هذه الآلية في الحد من الطعون الكيدية وحماية وقت المحكمة.

دور قاضي التنفيذ

وفي سبيل تعزيز تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة، أكّد القرار الجديد على صلاحية رئيس المحكمة في تعيين أحد قضاة المحكمة ليشغل منصب قاضي التنفيذ، وهو ما يُشكل ضمانة تنظيمية مهمة لتعزيز فاعلية التنفيذ القضائي في مركز قطر للمال. ويتمتع قاضي التنفيذ بصلاحيات تشمل النظر في طلبات التنفيذ والإشراف على الإجراءات المرتبطة بها، بما يضمن سرعة الاستجابة، ويعزز الثقة في قدرة المحكمة على إنفاذ أحكامها داخل الدولة، ويؤكد على التزامها بضمان وصول الحقوق لأصحابها.

خاتمة

يُعد القرار الوزاري رقم (39) لسنة 2025 نقطة تحوّل نوعية في تنظيم إجراءات التقاضي أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، لما تضمّنه من أحكام دقيقة وشاملة في مجالات الإعلان، والإيداع الإلكتروني، والحُكم الغيابي، ومرونة الحضور والانعقاد، بالإضافة إلى تطوير منظومة الاستئناف. ويُتوقع أن يُعزز هذا الإطار الجديد ثقة المُستثمرين والمُتقاضين في فعالية القضاء التجاري المُتخصص في دولة قطر، ويدعم مكانة مركز قطر للمال كمظلة قانونية متكاملة ذات طابع دولي في قلب المنطقة.

Services

Services

Decorative Pattern

أدوات الوصول